افهم تقنية البلوك تشين التي تهدد البنوك وتغيّر قواعد اللعبة

 تقنية البلوك تشين: دليلك المبسط لفهم المستقبل الرقمي

هل سمعت عن تقنية البلوك تشين (Blockchain) وتتساءل ما هي بالضبط؟
ربما مرّ عليك اسمها في سياق العملات الرقمية مثل البيتكوين، لكن هل سألت نفسك يوماً:

• ما هي هذه التقنية؟
• ما علاقتها بالعملات الرقمية؟
• ولماذا ظهرت من الأساس ومتى؟

في هذا المقال، سنأخذك في رحلة مبسطة جداً، مع أمثلة قريبة من حياتك اليومية لتفهم كيف ظهرت البلوك تشين

وكيف تعمل، ولماذا هي مهمة لمستقبلنا.

كيف وُلدت فكرة البلوك تشين؟

لنبدأ القصة من البداية…
في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة، كان العالم يعيش على إيقاع التكنولوجيا السريعة، والابتكارات تتوالى.

لكن خلف هذا اللمعان، كانت أزمة اقتصادية ضخمة تقترب بصمت.

وفي عام 2008 تحديداً، ضربت الأزمة المالية العالمية بقوة، فاهتزت المؤسسات المالية:
بنوك عملاقة انهارت.
شركات فقدت قيمتها بين ليلة وضحاها.
مدخرات الملايين من الناس تبخرت في الهواء.
ملايين من الناس فقدت وظيفتهم.

هنا الناس بدأوا يتساءلون:
كيف لبنوك ضخمة، تمتلك أنظمة محاسبية متطورة وجيوشاً من الموظفين، أن ترتكب أخطاء كارثية بهذا الحجم؟
وهل يمكن أن نثق مجدداً في نظام مالي تتحكم فيه قلة من المؤسسات، وقد تُدار أحياناً لمصالحها الخاصة؟

وسط هذا الغضب الشعبي واستياء الناس، ظهر اسم غامض في منتدى صغير على الإنترنت باسم: ساتوشي ناكاموتو.
حتى اليوم، لا أحد يعرف إن كان رجلاً أو امرأة، شخصاً أو مجموعة هذا الاسم مجهول الى الان.

لكن ساتوشي ما قدّمه لم يكن فكرة عادية، بل كانت ثورة فكرية وتقنية.
كتب ساتوشي ورقة علمية بعنوان:
"بيتكوين: نظام نقدي إلكتروني يعتمد على الند للند"

فيها شرح كيف يمكن للناس أن يتبدلوا الأموال عبر الإنترنت مباشرة، دون الحاجة إلى بنك أو وسيط.

الفكرة كانت بسيطة في ظاهرها لكن عبقرية في جوهرها، وفكرتها تبدأ بتساؤل:

"ماذا لو كان لدينا دفتر حسابات رقمي عالمي فيه جميع تعاملاتنا المالية وفي نفس الوقت الكل يستطيع الوصول اليه
ويرى التعاملات بعينه، وفي نفس الوقت لا أحد يستطيع أن يعدل شيء في هذا الدفتر دون موافقة الجميع؟"

هذه الفكرة الجوهرية التي طرحها 'ساتوشي ناكاموتو' هو جوهر نظام البلوك تشين.

هذه التقنية هدفها ابتكار طريقة لتبادل الأموال بدون بنك أو وسيط، بطريقة شفافة وآمنة لا يمكن التلاعب بها. 

ابدأ العمل الحر: العمل الحر في 2025: كيف تبدأ؟ دليل شامل للمبتدئين

بالعودة الى المصطلح بلوك تشين ماذا يعني:

• بلوك (block): تعني الكتلة، وهي مثل صفحة في دفتر.
• تشين (chain): تعني السلسلة، حيث يتم ربط الصفحات معاً بترتيب زمني تشكل ما نسميه بالسلسلة.

ما معنى اللامركزية في البلوك تشين؟

من اهم مميزات هذه الفكرة انها تعتمد على اللامركزية لذا وجب علينا ان نفهم بالضبط ما نعني باللامركزية لنفهم الفكرة بشكل اعمق.

تخيل ماذا لو كان كل بياناتك ومعاملاتك محفوظة في مكان واحد فقط، مثل بنك أو خادم مركزي، السؤال هنا ماذا لو تعطّل هذا المكان أو تم اختراقه فجأة، ماذا سيحدث حينها في الغالب كل بياناتك ستضيع أو يتم التلاعب بها بكل بسهولة.

لكن في البلوك تشين الأمر مختلف تمامًا: حيث البيانات موزعة على آلاف أو حتى ملايين الأجهزة حول العالم.

يعني كل جهاز يمتلك نسخة من نفس السجل، وكل نسخة يتم تحديثها في نفس اللحظة عند حدوث أي معاملة.

النتيجة؟

لا يوجد "مدير" أو جهة واحدة تتحكم بكل شيء.
حتى لو تعطل جهاز أو حتى مئات الأجهزة، الشبكة تستمر بالعمل.

التلاعب يحتاج أن تتحكم في أغلب الأجهزة في الشبكة، وهذا شبه مستحيل عمليًا.

كل كتلة تسجل مجموعة من المعاملات، وعندما تمتلئ هذه الكتلة بعدد محدد من المعاملات تُغلق وتُربط بالكتلة السابقة
عبر رمز خاص مشفر يسمى (Hash)  الامر اشبه بالبصمة الرقمية.

الجميل هنا أنه إذا حاول أي شخص تغيير معلومة في كتلة قديمة، سيتغير رمزها فوراً وبتبع 
سينكشف التلاعب، لأن التلاعب يعني تخريب الرمز الخاص بالربط، وبهذا تتخرب السلسلة بالكامل.

اقرأ ايضا: المطابخ السحابية: ثورة الطهي الخفي الذي يغزو عالم المطاعم

اليك كيف يعمل البلوك تشين خطوة بخطوة؟

لنأخذ مثال العملات الرقمية (التداول)، لفهم آلية عمل هذه التقنية.

1. أول خطوة المعاملة (Transaction):
بصفتك متداولًا، قد تقوم بعملية بيع أو شراء، هذه العملية تُسجَّل في السجل العام مع جميع 
التفاصيل المتعلقة بها، مثل المبلغ، الوقت، والتاريخ.

2. الكتلة (Block)
هنا يتم تسجيل المعاملات وتخزينها، الفكرة ان الكتلة تسجل عدد محدود من المعاملات، وبمجرد 
ان تمتلئ الكتلة يتم غلقها وبعدها تتجه الى التحقيق قبل رابطها مع الكتل السابقة.

3. التحقق (Verification)
قبل إضافة الكتلة إلى السلسلة، يقوم الأعضاء المخصصون في الشبكة بمراجعتها للتأكد من صحة 
جميع بياناتها، اذا تم الموافقة عنها، تصبح الكتلة جاهزة للربط.

4. الربط (Hashing & Linking)
بعد التحقق، يتم إنشاء رمز مشفّر فريد يُعرف بـ Hash لكل كتلة، ثم تُربط الكتلة بالكتلة 
السابقة عن طريق هذا الرمز، و بعدها أي تعديل في البيانات الكتلة سيغيّر الرمز مما تتزعزع 
السلسة بالكامل ويكشف التلاعب.

5. الإضافة للسلسلة
بمجرد أن تتم عملية الربط تصبح الكتلة جزءًا من السلسة التى تضم عدد لا نهائي من الكتل. 
بعد الربط لن تستطيع بعدها أن تحذف شيء أو تعدل على بياناتها، مما يضمن الشفافية والثبات وعدم التلاعب في البيانات.

المجالات يتم استخدام فيها البلوك تشين حاليا؟

البلوك تشين ليس مقتصرًا على العملات الرقمية فقط، بل دخل في العديد من المجالات منها:

1. العملات الرقمية
مثل البيتكوين والإيثريوم، وهي أشهر المجالات التي يتم فيها تطبيق البلوك تشين.

2. التصويت الإلكتروني
يمكن تأمين الانتخابات بحيث لا يمكن تزوير الأصوات.

3. سلاسل الإمداد
شركات كبرى مثل "وول مارت" تستخدم البلوك تشين لتتبع المنتجات من المزرعة إلى المتجر.

4. الرعاية الصحية
حفظ السجلات الطبية للمريض بشكل آمن ويمكن الوصول إليها بسرعة من خلال نظام بلوك تشين.

5. العقود الذكية
برمجيات تنفذ الاتفاقيات تلقائيًا عند تحقق الشروط.
مثال: إذا استلمت المنتج، يتم تحويل المال للبائع تلقائيًا.

6. الملكية الرقمية (NFTs)
إثبات ملكية الأعمال الفنية أو المقتنيات الرقمية.

فوائد البلوك تشين مقارنة بالنظام التقليدي

الشفافية
كل عملية يمكن لأي شخص التحقق منها في السجل العام.
مثال: في التبرعات الخيرية، يمكن للمتبرعين التأكد من وصول الأموال الخاصة بهم للجهة الصحيحة من خلال هذه التقنية.

الأمان
المعاملات مشفرة، وأي محاولة لتزوير البيانات تحتاج قوة حوسبة هائلة لتحقيق ذلك.
مثال: من الصعب على مخترق أن يغيّر ملكية قطعة أرض مسجّلة على بلوك تشين الامر يمكن القول مستحيل.

اللامركزية
لا يوجد مركز تحكم واحد، بل توجد شبكة متوزعة في جميع انحاء العالم تحمل نسخة من النظام (لقد اشرنا لهذا المصطلح في الاعلى).
مثال: اذا كانت هناك خوادم معينة تعطلت، في هذه الحالة النظام سيستمر لان هذا الخادم مجرد جهاز واحد من الاف الاجهزة.

خفض التكاليف
إلغاء الوسطاء يقلل الرسوم والعمولات.
مثال: ترسل المال لشخص في دولة أخرى يمكن أن يكلفك أقل من 1 دولار، بدل 20 دولار عبر البنوك.

السرعة
عمليات التحويل أو تسجيل الملكيات تتم في دقائق، لا أيام.
مثال: شراء عقار قد يتم مباشرة بمجرد توقيع العقد الذكي على الشبكة لن تنتظر اي جهة خارجية لتنقل الملكية.

اليك جدول يوضح الفرق ببين النظام التقليدي (البنوك) مقابل البلوك تشين

البند	النظام التقليدي (البنوك)	البلوك تشين
الوساطة	يعتمد على بنوك ومؤسسات وسيطة	معاملات مباشرة دون وسيط
الشفافية	سجلات مغلقة لا يراها إلا البنك	السجل عام وشفاف للجميع
السرعة	قد تستغرق أيام خاصة في التحويلات الدولية	معاملات شبه لحظية (ثوانٍ إلى دقائق)
التكلفة	رسوم مرتفعة خاصة في الحوالات الخارجية	رسوم أقل نسبيًا
الأمان	مركزي وعرضة للاختراق	موزع ومشفر وصعب التلاعب
التحكم	خاضع لسلطة مركزية	لا مركزي، يديره المشاركون
الوصول	يتطلب حساب مصرفي وأوراق رسمية	متاح لأي شخص لديه إنترنت ومحفظة رقمية
ساعات العمل	مقيد بساعات عمل البنوك	يعمل 24/7 بلا توقف
قابلية التغيير	يمكن تعديل أو إلغاء العمليات	غير قابل للتغيير بعد تسجيله

حوصلة عامة حول البلوك تشين

من أزمة مالية هزّت العالم سنة 2008، إلى فكرة ثورية خرجت من عقل شخص غامض اسمه ساتوشي ناكاموتو، ولِدت تقنية البلوك تشين كحلّ يعيد الثقة إلى المعاملات، ويكسر احتكار المؤسسات الكبرى للتحكم في بياناتنا وأموالنا.

فكرتها الجوهرية بسيطة لكنها قوية: سجل رقمي عالمي، يراه الجميع، يوافق عليه الجميع، ولا يمكن تغييره إلا بموافقة الجميع.

رأينا كيف تعمل هذه التقنية خطوة بخطوة، من تسجيل المعاملة، إلى التحقق، إلى ربط الكتل في سلسلة مشفرة، مما يجعل أي محاولة للتلاعب واضحة فورًا.

ورأينا كيف انتقلت البلوك تشين من كونها البنية التحتية للعملات الرقمية مثل البيتكوين و الإيثريوم، إلى دخولها مجالات أوسع منها: التصويت الإلكتروني، تتبع سلاسل الإمداد، الرعاية الصحية، العقود الذكية، وحتى إثبات الملكية الرقمية.

ومن مزاياها: الشفافية، والأمان، واللامركزية، مرورا الى خفض التكاليف والسرعة مما تجعلها مرشحة لتكون العمود الفقري للأنظمة الرقمية القادمة، ومع ذلك يظل وعي المستخدمين وفهمهم المبدئي لهذه التقنية هو الخطوة الأولى للاستفادة منها بأمان وذكاء.

في النهاية
البلوك تشين ليست مجرد "ترند" عابر، بل أداة لإعادة صياغة الطريقة التي نتعامل بها مع الثقة والبيانات والملكية في العالم الرقمي. والسؤال الآن: هل ستكون مستعدًا للاستفادة من هذه الثورة القادمة؟

الأسئلة الشائعة حول تقنية البلوك تشين

لا، البيتكوين هي عملة رقمية مبنية على تقنية البلوك تشين، البلوك تشين هي البنية التحتية التي يمكن استخدامها في مجالات كثيرة غير العملات الرقمية.

ظهرت بعد أزمة 2008 بهدف إنشاء نظام مالي شفاف وآمن لا يعتمد على وسيط مركزي، ويصعب التلاعب به.

لا، أي تعديل يتطلب موافقة أغلبية المشاركين في الشبكة، وأي تلاعب يُكتشف فورًا بسبب آلية الربط المشفرة بين الكتل.

هي آمنة جدًا بفضل التشفير واللامركزية، لكن الأمان يعتمد أيضًا على طريقة استخدامها والتطبيقات المبنية عليها.

العامة: مفتوحة للجميع مثل بيتكوين وإيثريوم.
الخاصة: مخصصة لشركات أو مؤسسات محددة.
الهجينة: تجمع بين مزايا النوعين.

يعتمد على نوع الشبكة وآلية التحقق، فـ"إثبات العمل" يستهلك طاقة أكبر من "إثبات الحصة".

نعم، في التصويت الإلكتروني، تتبع سلاسل الإمداد، الرعاية الصحية، العقود الذكية، وحتى الملكية الرقمية (NFTs).

اللامركزية تعني أن البيانات والمعاملات لا تُخزن أو تُدار في مكان واحد أو من قبل جهة واحدة، بل تكون موزعة على آلاف أو ملايين الأجهزة (حواسيب، خوادم) حول العالم.

كل جهاز يحتفظ بنسخة من السجل ويتحقق من صحة المعاملات، مما يمنع التلاعب أو التوقف في حال تعطل خادم واحد.

المقصود هو أجهزة الحواسيب أو الخوادم الخاصة بالمستخدمين المشاركين في الشبكة. هذه الأجهزة:

تحتفظ بنسخة من سجل البلوك تشين.
تتحقق من صحة المعاملات الجديدة.
تشارك في حماية الشبكة.

ومع ذلك، حجم النسخة الكاملة من البلوك تشين قد يكون كبيرًا، ولهذا يلجأ بعض المشاركين إلى تقنيات مثل التخزين السحابي أو العُقد الخفيفة التي لا تحتفظ بالسجل كاملًا.

لا، حتى المشاركون الذين يملكون نسخة من السجل لا يمكنهم تعديل البيانات القديمة، كل كتلة بعد أن يتم التحقق منها وربطها تصبح مؤمنة بالتشفير، وأي محاولة لتغييرها تتطلب موافقة غالبية الشبكة وقوة حوسبة هائلة، ما يجعل التلاعب شبه مستحيل.

لا، البيتكوين لا تديره أي شركة أو جهة مركزية، تم إطلاقه سنة 2009 من قبل شخص أو مجموعة باسم مستعار "ساتوشي ناكاموتو" وانسحب بعد نشره.

الآن، يعمل البيتكوين عبر بروتوكول مفتوح المصدر تديره الشبكة نفسها من خلال آلية الإجماع.

كما توجد شركات تقدم خدمات مبنية عليه (منصات تداول، محافظ...) لكنها لا تتحكم في الشبكة.

التحديثات تتم عبر اقتراحات (BIPs – Bitcoin Improvement Proposals) يقدّمها المطورون يتم مناقشتها، وإذا وافق عليها غالبية المجتمع (المطورون، المعدنون، المستخدمون) يتم تطبيقها هذا يحافظ على روح اللامركزية.

لا شيء خطير، لأن الشبكة موزعة، إذا توقفت مئات أو حتى آلاف الأجهزة، الشبكة تستمر بالعمل طالما هناك عدد كافٍ من الأجهزة المتصلة لتبادل البيانات والتحقق منها.

عندما تحدث معاملة جديدة، لا تُضاف مباشرة إلى السلسلة.

بدلاً من ذلك، تُرسل هذه المعاملة إلى شبكة من الأجهزة (المشاركين أو العقد).

كل جهاز يفحص المعاملة ليتأكد من أمرين أساسيين:

أن المرسل يملك الرصيد أو الأصل الذي يريد تحويله.
أن المعاملة لم تُسجَّل من قبل (لتجنب الإنفاق المزدوج).

بعد التحقق، يبدأ المشاركون في حل معادلة رياضية معقدة (تسمى إثبات العمل – Proof of Work في حالة البيتكوين) أو استخدام آلية تحقق أخرى مثل إثبات الحصة – Proof of Stake.

أول من ينجح في التحقق يُرسل الكتلة الموثقة إلى بقية الشبكة، وإذا وافق أغلب المشاركين، تُضاف الكتلة رسمياً إلى السلسلة ولا يمكن تعديلها بعد ذلك.

اقرأ ايضا:
7 مهارات رقمية يجب تعلمها الآن لتتفوق في سوق التقنية المتغير
المطابخ السحابية: ثورة الطهي الخفي الذي يغزو عالم المطاعم

تعديل المقال